إستمع إلى المقال صوتياً
صناعة
التفاؤل مكوّن رئيس في عملية صناعة المستقبل، يجب أن ينهض به البيت مع المسجد،
والمدرسة مع الجامعة، والإعلام مع القيادة. ولا بد من بثّ الأمل في الغد حتى يقبل
الشباب على العمل بروح يحدوها الرجاء؛ فيسهل أداء المهمات، ومواجهة التحديّات،
والتغلب على أي إخفاقات غير متوقعة.
لقد وعي الأنبياء أهمية التفاؤل في اللحظات
المفصلية في دعواتهم، فحرصوا على ضخه ضخًا في نفوس أتباعهم وأصحابهم. فها هو النبي
القائد محمد -صلى الله عليه وسلم- يستثمر أصعب الأوقات وأشدها قسوة على نفوس
المسلمين، في غزوة الأحزاب، ليبث الأمل ويبشر بالمستقبل الواعد. فبينما تحزبت
قبائل الأعداء لحصار المدينة المنورة وأعاق حجر ضخم سبيل المسلمين في حفر الخندق
إذا بالرسول الملهم من عند ربّه يهتف فيهم: "اللَّهُ أَكْبَرُ، فُتِحَتْ
فَارِسُ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى مِثْلَهَا فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُتِحَتِ
الرُّومُ، ثُمَّ ضَرَبَ أُخْرَى مِثْلَهَا فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَجَاءَ اللَّهُ
بِحِمْيَرَ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا." فثبتت القلوب المزلزلة، وفاء الإيمان
إلى الصدور وتنزّل النصر.
أليس ما
فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- داعيًا لمراجعة الرسائل التي نبثها فيمن حولنا؟
كم منّا يحرص على نشر ثقافة التفاؤل فيمن حوله؟ هل نجحنا في صناعة أجيال تعد
التفكير التفاؤلي فريضة؟ ما دور المؤسسات المعنية بمخاطبة الجماهير في دعم
التوجهات الإيجابية لدى الأفراد؟
تشير
دراسة عن التفاؤل لدى شباب المملكة العربية السعودية، أجراها مركز قراءات لبحوث
ودراسات الشباب بالتعاون مع مؤسسة محمد وعبد الله ابراهيم السبيعي الخيرية، إلى أن
نسبة 54.7% من الشباب السعودية يشعرون بالتفاؤل المستقبليّ بناءً على أحاديث
الأسرة.
وهذه
نسبة جيّدة تؤكد أن البيوت والعائلات والأسر تقوم بمهمتها في حماية الجوانب
النفسيّة للأبناء، والحفاظ عليهم من اليأس والقنوط ومساعدتهم على تخطي لحظات الإخفاق.
في جانب
أخر، كشفت نفس الدراسة البحثية أن النسبة تتدنى كثيرًا في المدارس والمعاهد
التعليمية، فقد كشف نحو 21.9% فقط عن إحساسهم بالتفاؤل عند تلقي رسائل المعلمين
والمعلمات.
وهذا
يدعو المؤسسات التعليمية في المملكة إلى إعادة النظر في منطلقات خطاب أعضاء هيئات
التدريس، والبحث عن الأسباب التي تجعلهم يقدمون رسائل سلبية للطلاب.
في ذات
السياق، أوضحت الدراسة أن نسبة من يشعرون بالتفاؤل عند سماع أئمة المساجد خاصة في
خطب الجمع لا تزيد عن 22.8%، وهذه نسبة متدنية جدًا نظرًا لما يعوّل على المسجد في
توجيه السلوكيات وغرس القناعات، لا سيما وأن ألدين الإسلامي دين أمل ورجاء
واستبشار.
ويمتد الأمر ليشمل القنوات الإعلامية، إذ كشفت الدراسة السابقة أن وسائل
الإعلام حصلت على أدنى نسبة بين بقية المؤسسات، فلم يتجاوز من يشعرون بالتفاؤل عند
متابعة الإعلام نحو 18.1% فقط.
ومن هنا
فإن من الواجب أن تقوم الهيئات والمؤسسات السابقة بتبني خطط طموحة للقيام بدورها
في عملية صناعة التفاؤل داخل المجتمع، طالما أنه لا نهضة دونه ولا إنجاز في غيابه.
,شارك المنشور مع أصدقائك
ادرج تعليق
الرجاء تصحيح الأخطاء التالية :
{{ error }}
التعليقات (0)