الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد:
الفقر مرض اقتصادي يعتبر حجمه في المجتمعات مؤشرا دقيقا على مدى كفاءة البنية الاقتصادية المبنية لأجلها. فاتساع دائرة الفقراء دلاله على ضعف أثر البرامج الاقتصادية في تلك الدولة وتقلصها دليل على نجاحها.
كما أن لهذا الداء أضرار عديدة تتعدى ذات الفقير إلى أسرته ومجتمعه منها الديني ومنها الاخلاقي ومنها الاجتماعي والسياسي ايضا وليست هذه الورقة مقام سردها والاستدلال عليها لكن للتأكيد على أن ورائها يكمن السر في عناية الشريعة الإسلامية بعلاج مبعثها وهو الفقر. وسوف انطلق الى ذلك من ايجاز الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للفقير والحقوق التي كفلها النظام له ايضا إذ في بيان ذلك ولو بإيجاز ما يسهم في علاج هذه المشكلة أو يحد من استشرائها.
أولا: حقوق الفقير من خلال التدابير الشرعية الواقية من الفقر:
تضمنت الشريعة الإسلامية في طياتها تدابير كريمة تقي المجتمع المسلم من آفة الفقر واجراء هذه التدابير على تمامها حق للمجتمع للوقاية من الفقر ومنها: حثت الشريعة على العمل وطلب الرزق وهذا الأمر واضح مقطوع به في خطابات الشارع على تنوعها فمن ذلك أمره سبحانه بالسعي والكد لطلب الرزق { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) } {الملك:15}
وأمر بالإتجار والبيع والشراء حتى في ذلك اليوم الذي هو عيد المسلمين وهو يوم الجمعة { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ } {الجمعة:10} وحث على كسب اليد كما في قوله عليه الصلاة والسلام:{ ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده}. رواه البخاري في صحيحه.
مسؤولية الدولة في ايجاد العمل:
• ليست الدولة مسؤولة في الاسلام عن ايجاد عمل لكل احد لكنها مسؤولة مسئوليه تامة عن توفير البيئة الملائمة للعمل وازالة العوائق التي تحول دون توفره إذ أن التشريعات الاسلامية تنطلق من مسلمه قرآنية وهي ان الله تعالى قدر في الارض اقوات الناس كلهم ولم يأمرهم بالسعي فيها الا وهي متضمنة لرزقهم قال تعالى:{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا } {فصلت:10,6} ولذلك خاطب الله الناس بمسئوليتهم في الضرب في الارض والبحث عن الرزق{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ } المزمل,2.
• ولم يرد نص شرعي يكلف الدولة مسؤوله تشغيل الناس كما لم يرد fذلك فعل من اي احد من الخلفاء الراشدين او من بعدهم ولعل من الحكم في ذلك كون الانسان أبصر بقدراته وما يصلح له من الاعمال كما قال تعالى:{ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) }{ القيامة: 14} كما أن انشغال الدولة الإسلامية بتوظيف الناس في قطاعاتها سيترتب عليه ارهاق مالي وإداري للدولة يترتب عليه تطال معيشه الناس والدولة ذاتها وتفصيل ذلك يطول والإدارة الإسلامية التي حققت نجاحا منقطع النظير كالدولة الراشدة ودوله بني أمية وصدر دولة بني العباس والدول الناجحة في الاندلس والمغرب كلها لم تعتمد إثقال كاهل الدولة بتوظيف من يزيدون عن حاجتها كما أن احتياجها إذ ذاك كان قليلا جدا لكفاية الوقف الاسلامي لكثير من حاجات الناس الضرورية كالتعليم والصحة وبذل الدولة كامل وسعها في تغطية كل ما يقصر الوقف عم أداءه إما لضعف الوقت عن كفاية الناس أو لعدم ترتيب أوقاف لبعض المرافق كالطرق والبريد.
• وحين تتولى الدولة ازالة العوائق التي تحول دون توفير العمل فإنها تقضى بذلك على اهم أسباب الفقر وأعني البطالة. • فالبطالة الحقيقية ليست ناشئة عن عدم توفر فرص العمل بل منشؤها هو وجود العوائق التي تحول دون تحقق تلك الفرص. • ومن تلك العوائق التي تحول دون توفر العمل ويتوجب على الدولة الإسلامية ازالتها بعض ما سأذكره في سرد التدابير الواقية من الفقر.
• ايجاد مناخ اقتصادي شرعي لا يتضمن مخالفات للشريعة الإسلامية كالمعاملات المصرفية المحرمة شرعا فهي من ابرز ما يتسبب بالفقر واسبابه كالبطالة والسر في ذلك أن غالب ما يعرف بالمنتجات البنكية تعتمد في اساسها على مبادله النقد بالنقد وبذلك يكون النقد سلعة وليس وسيطا شرائيا الامر الذي يجعل فرص الربح في تجاره النقد اكثر امانا وبالتالي يسهم في تقليل رؤوس الاموال التي تعمل في مشاريع انتاجيه وتجاريه ذات نسبه ربح مكافئة أو مقاربة مع نسبه مخاطرة أعلى أو ربما مرتفعة ومن هنا يأتي شره المنتجين إلى أرباح اكبر مما يساهم في جعل أسعار السلع عالية جدا وللربا آثار كبيرة جدا وخطيرة على بنيه المجتمع الاقتصادية والأخلاقية ليس هذا مكان استقصائها لكنني أشير الى كتاب آثار الربا الاقتصادية والإجتماعية تأليف فهد بن مبارك الحربي وكتاب الربا وآثاره الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مختلف الديانات لفاضل عياش الحمود.
• ومما يلحق بالربا في بعض أضراره على الحياة الاقتصادية المتاجرة بالعملات فهذه التجارة وان كانت صحيحه في نظر الفقهاء إلا أنها من حيث حجزها للمال وحرمان السوق منه تكاد تكون شبيهه له في ذلك.
الواضح من تتبع الواقع ان نسبه كبيره ممن يدرجون اليوم في بلادنا من ضمن قوائم الفقراء هم من المستحقين لنفقه الاقارب والسبب الرئيسي فما هم عليه من فقر عدم قيام هؤلاء الاقارب بواجبهم الشرعي.
• ومما يحقق البيئة الاقتصادية السليمة أيضا والطاردة للفقر مراقبة التجارة في البلاد وتخليصها من جميع العيوب والآفات التي قد تزينها النفوس الضعيفة لأصحابها كالاحتكار بأنواعه العديدة فانه يؤدي إلى ارتفاع الاسعار ويساهم في نشوء بيئة الفقر.
• ومن التدابير الواقية من الفقر محاربه دخول السلع التي يؤدي استهلاكها الى الإدمان كأنواع المخدرات والمسكرات فهي جميعا تقضي على المال وتحول الاسر ذات الدخل المادي المتميز او الجيد الى اسر فقيره وربما الى أسر مستجديه.
• تربيه الام تربيه ايمانيه تحول بينها وبين الاخلاق الاقتصادية المؤدية الى الفقر كالإسراف والتبذير.
• أما الإسراف فهو صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي , والتبذير هو صرف الشيء فيما لا ينبغي كما ذكره العلامة بن عابدين.
• فهذان العيبان صانعان للفقر لامحالة من جهات عديده فهما من اسباب زيادة الأسعار وأسباب تحول الحاجيات والتحسينات إلى ضروريات بشكل مطرد يؤدي الى نقص قوة العملة التي بأيدينا وهذا ما حدث في بلادنا كما أوردته دراسة أعدتها مصلحه الإحصاءات العامة ونشرتها صحيفة الرياض حيث ذكرت الدراسة: أن 10000 ريال في عام 1999 تساوي قدراتها الشرائية اليوم 5950 ريال وفي ظني أن الاستهلاك غير المنضبط من اسباب ذلك.
• إلزام المجتمع بواجباته المالية تجاه افراده ومن هذه الواجبات واجب النفقة على الاقارب وينبغي للدولة ايجاد السبل الميسرة التي من خلالها يقوم المكلفون بها شرعا بأدائها كم عليها ان توفر السبل التي يستطيع المستحقون لمثل هذه الواجبات من المطالبة بها بشكل لا يؤثر على موقفهم من اقربائهم ولا يؤدي الى نزاعات غير محمودة.
• والواضح من تتبع الواقع ان نسبه كبيره ممن يدرجون اليوم في بلادنا من ضمن قوائم الفقراء هم من المستحقين لنفقه الاقارب والسبب الرئيسي فما هم عليه من فقر عدم قيام هؤلاء الاقارب بواجبهم الشرعي.
• ومن امثله ذلك: الارامل والمطلقات القائمات على نفقه اطفالهم ومن المقرر شرعا ان والد الاطفال في حالة المرأة المطلقة هو المسؤول عن الانفاق عليهن لكن الكثير من المطلقين للأسف يتخلف عن اداء هذا الواجب عمدا ولا تستطيع المطلقة مطالبته بحقوق صغارها لخوفها من مطالبته بحضانتهم والرجل يعلم ذلك جيدا وهو يمارس حاله مساومة على الاطفال في سبيل اسقاط النفقة.
• ولهذا كان من حقوق هؤلاء الارامل والمطلقات على الدولة انشاء نظام اجتماعي جديد يكفل ايصال هذه الحقوق لهم بيسر وسلاسة وقد كتبت في فكرة هذا النظام مقالات بعنوان نظام الحقوق الاجتماعية ونشر في صحيفة المدينة كما قدمت ورقه عمل مطوله عرضت في ندوه المرأة السعودية بين الحقوق والواجبات والذي اقيم في مدينه الرياض عام 1433 هجرية.
• ونفقه الاقارب يستحقها عن الاباء والابناء والاخوات ابناء العمومة من اقاربهم الموسرين وهو من الحقوق المعطلة وهذا مما يؤسف له وسبب تعطلها عدم وجود نظام يتولى ترتيبها والالزام بها. • وفي ظني أن نفقه الاقارب لو فعلت في بلادنا بشكل صحيح وانسيابي لتقلص بشكل كبير جدا عدد المستحقين لخدمة الضمان الاجتماعي في بلادنا ولادي ذلك الى رفع مستوى هذه الخدمة للمستحقين الحقيقيين لها.
• ما تقدم كان هو شيء من حقوق الفقير في القيام بتدابير الواقية من الفقر والتي يقدر ان تتخلص منه الفقراء بل ربما تنعدم وذلك في حالنا بهذا الواجب خير أداء.
ثانيا: الحقوق الشرعية للفقير:
• حق المواطن في الدولة الإسلامية حين لا يستطيع الحصول على عمل عطاء من بيت مال المسلمين يفرض له بقدر حاجته ويكون هذا العطاء من غير الزكاة في حاله وجود فوائض زائدة عن حاجات الدولة وهذا العطاء ناشئ عن حق المسلم في بيت المال فالمقتدر ماليا يأخذ هذا الحق في ما تقدمه الدولة من خدمات ورعاية للأمن والمصالح العامة أما العاجزون ماليا فيأخذون هذه الخدمات مضافا إليها قادر كفايتهم من المال.
• وفي حال خلو بيت المال عن فوائد عن احتياجات الدولة فانه حق الفقير ان يقدم له ما يكفيه من الذكاء والأصل أن تكون الدولة هي المسؤولة عن العمل على جمع الزكوات من الواجب عليهم أدائها لمستحقيها وذلك لان المفترض في الدول المسلمة أن لديها معرفه من المستحقين فتقوم بإيصال الزكاة لأيديهم هم مباشره دون ان تلحق أحد منهم من أحد من الأغنياء.
• ومما يؤسف له أن مقدار الزكاة التي تجمعه الدولة والبالغ 22 مليار لا يمكنه الوصول بالفقراء الى حد الكفاف.
• فالدراسات التي قدمها الدكتور راشد بن سعد الباز على الفقر في المملكة وتم نشرها سنه 2005 تحكي ان حد الكفاف في ذلك التاريخ للأسرة المكونة من زوج وزوجه هو ثلاثة الاف ريال ولا شك ان هذا الرقم قد زاد بما لا يقل عن 25 في الميه في السنوات الثمان التي تفصلنا عن تاريخ الدراسة أي أن حد الكفاف لا يقل عن 4000 ريال و احنا نقدر عدد الفقراء في السعودية مليون فقير وهذا اقل التقديرات المطروحة في الساحة فإن دخل الفقير في مبالغ الزكاة التي تتولى الدولة جمعها هو 2200 ريال فقط.
• وحين اعود لدراسة الدكتور راشد الماجد والتي نشرها في 2005 نجد انها تحدث خط الفقر الأسرة مكونه من زوج وزوجه بما يقارب 2500 ريال متضمنة اجره السكن اي ان ما يستحق الفقير اليوم من الضمان الاجتماعي هو المبلغ الذي يبكي عند خط الفقر قبل ثمان سنوات وبالتالي فهو اليوم دون خط الفقر ب 25%.
الباحث في حاجه كبيره لمعرفه خط الفقر وخط الكفاف وفق معايير دقيقة بعيدا عن الحدس والتخمين
• وهنا يجب ان نلاحظ ان ما يستحق هو الفقير من الضمان ليس هو ما يحصل عليه فعلا وذلك لان المستفيدين من الضمان الاجتماعي يزيد عددهم على المليونين قليلا وهو عدد يساوي ضعف اقل التقديرات لعدد الفقراء في المملكة.
• ولهذا نجد أن الفرد يحصل من الضمان الاجتماعي على ما يقل عن 900 ريال اي انه يحتاج الى 1600 ريال على اقل تقدير حتى يصل الى خط الفقر.
• ومن هنا يظهر لنا أبرز الحقوق وأولها بالمعالجة السريعة هو زيادة استحقاق الفقراء من الضمان الاجتماعي بنسبه 200% على أقل التقديرات لنصل بهم إلى حد الكفاف.
• وهذا يعني أن الضمان الاجتماعي في حاجه إلى أعانة من الدولة تصل أيضا الى 200% لان الزكاة لا تقوم بتغطية احتياج المواطنين.
• ويشك كثيرون في كون المبالغ التي تجمعها الدولة هي الزكاة المستحقة فعلا ويرون أنه هناك هروبا من دفع الزكاة لمصلحة الزكاة والدخل بذرائع مختلفة واستغلال ثغرات في نظام حساب الزكاة لفعل ذلك ويقول هؤلاء ان الزكاة لو دفعت كما ينبغي سوف تفوق ال 36 مليار.
• وبصرف النظر عن صحة هذا على الطرح من عدمها فان 36 مليار ايضا غير كافيه للوصول الى المطلوب وفق التقديرات الحالية للفقراء أو وفق ما يقدمه الضمان من اعانات.
خاتمة:
كل الباحثين عن الفقر وحلوله في المملكة العربية السعودية تواجههم عقبة كبيرة دون الوصول الى أراء أكثر دقه وهي عقبه الاحصائيات الدقيقة. الباحث في حاجه كبيره لمعرفه خط الفقر وخط الكفاف وفق معايير دقيقة بعيدا عن الحدس والتخمين وكذلك العدد الفعلي للفقراء لكن كل ذلك للأسف غير متوفر بالشكل الذي يتمناه الباحث وان كانت الكثير من التقديرات موجودة لكن هناك ملاحظات على معاييرها. لا يمكن القضاء على الفقر في أي بلد من بلدان العالم ما لم تتأثر أسبابه وهي أسباب كثيرة جدا يزيد منها استخراج جميع البلدان العالم اليوم في أتون الاقتصاد الرأسمالي الذي لم أرى من الدول اليوم من تخطط للخلاص منه. هذا والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آلة وصحبه وسلم.
,شارك المنشور مع أصدقائك
ادرج تعليق
الرجاء تصحيح الأخطاء التالية :
{{ error }}
التعليقات (0)